فصل: لِسَان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


لِسَان

التّعريف

1 - اللّسان لغةً‏:‏ جسم لحمي مستطيل متحرّك يكون في الفم‏,‏ ويصلح للتّذوق والبلع والنطق‏,‏ ويذكر باعتبار أنّه لفظ‏,‏ فيجمع على ألسنةٍ وألسن ولُسن وهو الأكثر‏.‏

يقال‏:‏ لسانه فصيح أي نطقه فصيح‏,‏ ويؤنّث باعتبار أنّه لغة فيجمع على ألسنٍ ويقال‏:‏ لغته فصيحة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

اللغة‏:‏

2 - اللغة هي ما يعبّر بها كل قومٍ عن أغراضهم‏.‏

والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين اللّسان واللغة أنّ اللّسان يكون مرادفاً للغة في أحد إطلاقيه‏.‏

الأحكام المتعلّقة باللّسان

يتعلّق باللّسان أحكام فقهيّة منها‏:‏

أ - حفظ اللّسان‏:‏

3 - يندب حفظ اللّسان عن غير محرّمٍ وأمّا عن محرّمٍ كالخوض في الباطل والفحش والسّبّ والبذاء والغيبة والسخريّة والاستهزاء فواجب ويتأكّد وجوبه في الصّوم‏.‏

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»‏,‏ فهذا الحديث نص صريح في أنّه لا ينبغي للإنسان أن يتكلّم إلا أذا كان الكلام خيراً وهو الّذي ظهرت له مصلحته‏,‏ ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلّم‏.‏

وقد قال الشّافعي رحمه الله تعالى‏:‏ إذا أراد الكلام فعليه أن يفكّر قبل كلامه‏:‏ فإن ظهرت المصلحة تكلّم‏,‏ وإن شكّ لم يتكلّم حتّى تظهر‏.‏

وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال‏:‏ «قلت‏:‏ يا رسول اللّه أي الإسلام أفضل ‏؟‏ قال‏:‏ من سلم المسلمون من لسانه ويده»‏,‏ فاللّسان من نعم اللّه العظيمة ولطائف صنعه الغريبة‏,‏ فإنّه صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه‏,‏ إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللّسان‏,‏ ولا يكب النّاس في النّار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم‏,‏ ولا ينجو من شرّ اللّسان إلا من قيّده بلجام الشّرع‏,‏ قال معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه‏:‏ «قلت‏:‏ يا نبيّ اللّه وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به ‏؟‏ فقال‏:‏ ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم»‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ لفظ ف 13‏)‏‏.‏

ب - سبق اللّسان في الطّلاق‏:‏

4 - اختلف الفقهاء في حكم طلاق من سبق لسانه إلى الطّلاق من غير قصدٍ‏.‏

وينظر تفصيله في‏:‏ ‏(‏خطأ ف 60‏,‏ وطلاق ف 20‏)‏‏.‏

ج - سبق اللّسان في اليمين‏:‏

5 - من سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصدٍ لمعناها اختلف الفقهاء في انعقاد يمينه‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏أيمان ف 103 وما بعدها‏)‏‏.‏

د - سبق اللّسان في الظّهار‏:‏

6 - اختلف الفقهاء في اعتبار ظهار من جرى على لسانه الظّهار من غير قصدٍ‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏ظهار ف 18‏)‏‏.‏

هـ - الجناية على اللّسان‏:‏

7 - اختلف الفقهاء في أخذ اللّسان باللّسان‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏جناية على ما دون النّفس ف 22‏)‏‏.‏

دية اللّسان

8 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب في اللّسان الدّية‏,‏ لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزمٍ رضي الله عنه‏:‏ «وفي اللّسان الدّية»‏,‏ ولأنّ فيه جمالاً ومنفعةً‏,‏ وكذلك تجب الدّية إن جنى عليه فخرس‏,‏ لأنّه أتلف عليه المنفعة المقصودة‏,‏ فأشبه إذا جنى على اليد فشلّت أو العين فعميت‏,‏ وإن ذهب بعض الكلام وجب من الدّية بقدره‏,‏ لأنّ ما ضمن جميعه بالدّية ضمن بعضه ببعضها كالأصابع‏.‏

وإن جنى على لسانه فذهب ذوقه فلا يحس بشيء من المذاق وجبت عليه الدّية‏,‏ لأنّه أتلف عليه حاسّة لمنفعة مقصودةٍ‏,‏ كما لو أتلف عليه السّمع أو البصر‏,‏ وإن نقص بعض الذّوق نظر فإن كان النقصان لا يتقدّر بأن كان يحس بالمذاق الخمس وهي الحلاوة والمرارة والحموضة والملوحة والعذوبة إلا أنّه لا يدركها على كمالها وجبت عليه الحكومة‏,‏ لأنّه نقص لا يمكن تقدير الأرش فيه فوجبت فيه حكومة‏,‏ وإن كان نقصاً يتقدّر بأن لا يدرك بأحد المذاق الخمس ويدرك بالباقي وجب عليه خمس الدّية‏,‏ وإن لم يدرك اثنين وجب عليه خمسان‏,‏ لأنّه يتقدّر المتلف فيقدّر الأرش‏.‏

وإن كان لرجل لسان له طرفان فقطع رجل أحد الطّرفين فذهب كلامه وجبت عليه الدّية‏,‏ وإن ذهب نصفه وجب عليه نصف الدّية‏,‏ وإن ذهب ربعه وجب عليه ربع الدّية‏,‏ وإن لم يذهب من الكلام شيء نظر فإن كانا متساويين في الخلقة فهما كاللّسان المشقوق ويجب بقطعهما الدّية‏,‏ وبقطع أحدهما نصف الدّية‏,‏ وإن كان أحدهما تامّ الخلقة والآخر ناقص الخلقة فالتّام هو اللّسان الأصلي والآخر خلقة زائدة فإن قطعهما قاطع وجب عليه دية وحكومة‏,‏ وإن قطع التّامّ وجب عليه دية‏,‏ وإن قطع النّاقص وجبت عليه حكومة‏.‏

وإن جنى على لسانه مع بقائه فذهب كلامه وقضي عليه بالدّية‏,‏ ثمّ عاد الكلام وجب رد الدّية قولاً واحداً عند الشّافعيّة لأنّ الكلام إذا ذهب لم يعد‏,‏ فلمّا عاد علمنا أنّه لم يذهب وإنّما امتنع لعارض‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏ديات ف 36‏)‏‏.‏

قطع لسان الأخرس والصّغير

9 - للفقهاء خلاف وتفصيل في حكم قطع لسان الأخرس ولسان الصّغير ينظر في‏:‏ ‏(‏ديات ف 37‏)‏‏.‏

لِصّ

انظر‏:‏ سرقة‏.‏

لَطْم

التّعريف

1 - اللّطم‏:‏ في اللغة الضّرب على الخدّ ببسط الكفّ‏,‏ يقال‏:‏ لطمت المرأة وجهها لطماً‏:‏ ضربته بباطن كفّها‏,‏ واللّطمة المرّة‏.‏

ويستعمل الفقهاء هذا اللّفظ بالمعنى اللغويّ نفسه‏,‏ قال الزرقانيّ‏:‏ اللّطمة هي ضربة على الخدّين بباطن الرّاحة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّفع‏:‏

2 - الصّفع في اللغة‏:‏ هو أن يبسط الرّجل كفّه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه‏.‏

والفقهاء يستعملون هذا اللّفظ بالمعنى اللغويّ نفسه‏,‏ فقد جاء في حاشية أبي السعود على شرح الكنز‏:‏ الصّفع هو الضّرب على القفا بالكفّ‏.‏

والصّلة أنّ اللّطم يكون على الوجه والصّفع على القفا‏.‏

ب - الوكز‏:‏

3 - الوكز لغةً‏:‏ الدّفع والطّعن والضّرب بجميع الكفّ‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا المعنى عن المعنى اللغويّ‏,‏ قال البهوتيّ‏:‏ الوكز هو الدّفع والضّرب بجميع الكفّ‏.‏

والصّلة أنّ اللّطم يكون ببسط الكفّ والوكز بجميع الكفّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة باللّطم

لطم الخدود عند المصيبة

4 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم لطم الخدود وخمشها وشق الجيوب ونحو ذلك من الأفعال عند المصيبة‏,‏ لما في الصّحيح‏:‏ «ليس منّا من ضرب الخدود أو شقّ الجيوب أو دعا بدعوى الجاهليّة»‏.‏

القصاص من اللّطمة

5 - يرى جمهور الفقهاء أنّه لا قصاص من لطمةٍ على الخدّ إذا لم ينشأ عنها جرح ولا ذهاب منفعةٍ بل فيها التّعزير لأنّ المماثلة فيها غير ممكنةٍ‏.‏

وذهب ابن قيّم الجوزيّة إلى وجوب القصاص في اللّطمة وقال‏:‏ هو منصوص أحمد ومن خالفه في ذلك من أصحابه فقد خرج عن نصّ مذهبه وأصوله كما خرج عن محض القياس والميزان‏.‏

واستدلّ بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا‏}‏‏,‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏‏,‏ وقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ‏}‏ فأمر بالمماثلة في العقوبة والقصاص فيجب اعتبارها بحسب الإمكان‏,‏ والأمثل هو المأمور به‏,‏ فهذا المضروب قد اعتدي عليه فالواجب أن يفعل بالمعتدي كما فعل به‏,‏ فإن لم يمكن كان الواجب ما هو الأقرب والأمثل‏,‏ وسقط ما عجز عنه العبد من المساواة من كلّ وجهٍ‏,‏ ولا ريب أنّ لطمةً بلطمة وضربةً بضربة في محلّهما بالآلة الّتي لطمه بها أو بمثل أقرب إلى المماثلة المأمور بها حساً وشرعاً من تعزيره بها بغير جنس اعتدائه وقدره وصفته‏.‏

لُعَاب

انظر‏:‏ ريق‏.‏

لِعان

التّعريف

1 - اللّعان مصدر لاعن‏,‏ وفعله الثلاثي لعن مأخوذ من اللّعن‏,‏ وهو الطّرد والإبعاد من الخير‏,‏ وقيل‏:‏ الطّرد والإبعاد من اللّه‏,‏ ومن الخلق السّب‏.‏

والملاعنة بين الزّوجين‏:‏ إذا قذف الرّجل امرأته أو رماها برجل أنّه زنى بها‏.‏

وعرّفه الحنفيّة والحنابلة بأنّه‏:‏ شهادات تجري بين الزّوجين مؤكّدة بالأيمان مقرونة باللّعن من جانب الزّوج وبالغضب من جانب الزّوجة‏.‏

وعرّفه المالكيّة بأنّه‏:‏ حلف زوجٍ مسلمٍ مكلّفٍ على زنا زوجته أو على نفي حملها منه‏,‏ وحلفها على تكذيبه أربعاً من كلٍّ منهما بصيغة أشهد اللّه بحكم حاكمٍ‏.‏

وعرّفه الشّافعيّة بأنّه‏:‏ كلمات معلومة جعلت حجّةً للمضطرّ إلى قذف من لطّخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولدٍ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - السّب‏:‏

2 - السّب لغةً واصطلاحاً هو الشّتم‏:‏ وهو كل كلامٍ قبيحٍ والسّب قد يوجب اللّعان أو لا يوجبه بحسب ما إذا كان فيه رمي للزّوجة بزناً أو لا‏.‏

ب - القذف‏:‏

3 - القذف في اللغة‏:‏ الرّمي مطلقاً‏.‏

واصطلاحاً عند جمهور الفقهاء هو‏:‏ الرّمي بالزّنا‏.‏

وعرّفه الشّافعيّة بأنّه‏:‏ الرّمي بالزّنا في معرض التّعيير‏.‏

والصّلة أنّ قذف الزّوج زوجته سبب من أسباب اللّعان‏.‏

الحكم التّكليفي

4 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ قذف الزّوج زوجته يوجب اللّعان لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ‏}‏ أي فليشهد أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه‏.‏

جعل اللّه سبحانه وتعالى موجب قذف الزّوجات اللّعان‏.‏

وعند المالكيّة قال عليش‏:‏ اللّعان يجب بثلاثة أوجهٍ‏:‏ وجهان مجمع عليهما‏:‏ وذلك أن يدّعي أنّه رآها تزني كالمرود في المكحلة ثمّ لم يطأ بعد ذلك‏,‏ أو ينفي حملاً يدّعي استبراءً قبله‏,‏ والوجه الثّالث‏:‏ أن يقذفها بالزّنا ولا يدّعي رؤيةً ولا نفي حملٍ‏,‏ وأكثر الرواة قالوا‏:‏ يحد ولا يلاعن‏.‏

واللّعان عند الشّافعيّة حجّة ضروريّة لدفع حدّ قذف الزّوج زوجته أو نفي ولده منها‏,‏ وله اللّعان‏,‏ ولا يجب عليه إلا لنفي نسب ولدٍ أو حملٍ علم أنّه ليس منه‏,‏ لأنّه لو سكت لكان بسكوته مستلحقاً لمن ليس منه وهو ممتنع‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا قذف الرّجل امرأته بالزّنا فله إسقاط الحدّ باللّعان‏,‏ وحد القذف حق للزّوجة فإن لم تطلبه أو أبرأته من قذفها أو أسقطته أو أقام الزّوج البيّنة بزناها ثمّ أراد الزّوج لعانها فإن لم يكن هناك نسب يريد نفيه لم يكن له أن يلاعن‏,‏ وإن كان هناك ولد يريد نفيه فقال القاضي‏:‏ له أن يلاعن لنفيه‏,‏ وقال بعضهم‏:‏ يحتمل أن لا يشرع اللّعان في هذه الحالة كما لو قذفها فصدّقته‏.‏

ركن اللّعان

5 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ ركن اللّعان هو الشّهادات الّتي تجري بين الزّوجين على الوجه المتقدّم في تعريفهم‏,‏ فتكون ركناً له‏,‏ لأنّ تحقق اللّعان يتوقّف على تحققها وهي داخلة في تكوينه‏.‏

ونصّ ابن جزيٍّ من المالكيّة على أنّ أركان اللّعان أربعة هي‏:‏ الملاعن‏,‏ والملاعنة‏,‏ والسّبب‏,‏ واللّفظ‏.‏

شروط اللّعان عند الحنفيّة‏:‏

6 - عند الحنفيّة يشترط في اللّعان شروط مختلفة‏,‏ بعضها يرجع إلى الرّجل‏,‏ وبعضها يرجع إلى المرأة‏,‏ وبعضها يرجع إلى الرّجل والمرأة معاً‏,‏ وبعضها يرجع إلى المقذوف به‏,‏ وتفصيل ذلك فيما يلي‏:‏

أ - ما يرجع من الشروط إلى الزّوج‏:‏

7 - يشترط في الزّوج لإجراء اللّعان بينه وبين زوجته ألا يقيم البيّنة على صحّة قذفه‏,‏ وذلك لأنّ اللّه تعالى شرط في اللّعان عدم إقامة البيّنة من الزّوج القاذف لزوجته في قوله جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ‏}‏‏,‏ وعلى هذا لو اتّهم رجل زوجته بالزّنا‏,‏ وأتى بأربعة رجالٍ عدولٍ وشهدوا بزنا الزّوجة لا يثبت اللّعان‏,‏ ويقام على المرأة حد الزّنا‏,‏ لأنّ زنا الزّوجة قد ظهر بشهادة الشهود فلا يحتاج إلى اللّعان‏.‏

ب - ما يرجع من الشروط إلى الزّوجة‏:‏

8 - يشترط في الزّوجة لإجراء اللّعان شرطان‏:‏

الأوّل‏:‏ إنكار الزّوجة وجود الزّنا منها حتّى لو أقرّت بذلك لا يجب اللّعان‏,‏ ويلزمها حد الزّنا لظهور زناها بإقرارها‏.‏

الثّاني‏:‏ عفّة الزّوجة من الزّنا فإن لم تكن عفيفةً لا يجب اللّعان بقذفها‏,‏ لأنّه إذا لم تكن عفيفةً فقد صدّقته بفعلها‏,‏ فصار كما لو صدّقته بقولها‏.‏

ومن الشروط الّتي ترجع إلى المرأة أيضاً‏:‏ أن تطلب من القاضي إجراء اللّعان إذا قذفها زوجها بالزّنا أو نفى نسب الولد منه ، وإن لم تطلب من القاضي إجراء اللّعان بينها وبين زوجها لا يقام اللّعان بينهما‏,‏ وذلك لأنّ اللّعان شرع لدفع العار عن الزّوجة فكان حقاً لها فلا يقام إلا بطلب منها كسائر حقوقها‏.‏

ج - ما يرجع من الشروط إلى الرّجل والمرأة‏:‏

9 - يشترط في الرّجل والمرأة معاً لإجراء اللّعان بينهما قيام الزّوجيّة بين الرّجل والمرأة وقت القذف فإذا كان الزّواج قائماً بين الرّجل والمرأة وقت القذف وكان الزّواج صحيحاً - دخل الزّوج بالمرأة أو لم يدخل - أقيم اللّعان بينهما لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏ فإنّه سبحانه خصّ اللّعان بالأزواج‏,‏ فيدل ذلك على أنّ قيام الزّواج شرط لإجراء اللّعان بين الرّجل والمرأة‏.‏

وإن كان الزّواج فاسداً وقذف الرّجل المرأة بالزّنا أو نفى نسب ولدها منه لا يثبت اللّعان بهذا القذف‏,‏ لأنّ اللّه تعالى خصّ اللّعان بالأزواج‏,‏ ولا يتحقّق ذلك إلا إذا كان الزّواج صحيحاً وإذا انتفى اللّعان ترتّب على القذف موجبه وهو الحد‏.‏

ويشترط كذلك في الرّجل والمرأة أن يكونا من أهل الشّهادة على المسلم‏,‏ وذلك بأن يكون كل من الزّوجين مسلماً بالغاً عاقلاً حراً قادراً على النطق غير محدودٍ في قذفٍ ، وعلى هذا لو كان الزّوج مسلماً والزّوجة كتابيّةً لا يقام اللّعان بينهما‏,‏ أو كان أحدهما أخرس لا يقام اللّعان بينهما‏,‏ وإن كانت له إشارة مفهومة‏.‏

قال المرغينانيّ‏:‏ إذا كان الزّوج عبداً أو كافراً أو محدوداً في قذفٍ فقذف امرأته فعليه الحد لأنّه تعذّر اللّعان لمعنىً من جهته فيصار إلى الموجب الأصليّ وهو الثّابت بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏‏,‏ واللّعان خلف عنه‏.‏

وإن كان الزّوج من أهل الشّهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذفٍ‏,‏ أو كانت ممّن لا يحد قاذفها بأن كانت صبيّةً أو مجنونةً أو زانيةً فلا حدّ عليه ولا لعان‏,‏ لانعدام أهليّة الشّهادة وعدم الإحصان في جانبها وامتناع اللّعان لمعنىً من جهتها‏,‏ فيسقط الحد كما إذا صدّقته‏.‏

ويشترط كذلك لفظ الشّهادة وحضرة الحاكم‏.‏

د - ما يرجع من الشروط إلى المقذوف به‏:‏

10 - يشترط في المقذوف به لوجوب اللّعان أو جوازه عند الحنفيّة أن يكون قذفاً بالزّنا أو نفي النّسب‏.‏

شروط اللّعان عند غير الحنفيّة‏:‏

11 - قال المالكيّة‏:‏ يشترط لإجراء اللّعان ما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ قيام الزّوجيّة وأن يكون الزّوجان عاقلين بالغين‏,‏ سواء كانا حرّين أو مملوكين‏,‏ عدلين أو فاسقين‏,‏ ويشترط الإسلام في الزّوج‏.‏

ثانياً‏:‏ القذف برؤية الزّنا أو بنفي الحمل‏.‏

ثالثاً‏:‏ تعجيل اللّعان بعد العلم لنفي الحمل أو الولد‏.‏

رابعاً‏:‏ عدم الوطء بعد القذف‏.‏

خامساً‏:‏ لفظ‏:‏ أشهد في الأربع‏,‏ واللّعن من الزّوج في الخامسة‏,‏ والغضب من الزّوجة في الخامسة‏.‏

سادساً‏:‏ بدء الزّوج بالحلف‏,‏ فإن بدأت الزّوجة أعادت بعده‏.‏

سابعاً‏:‏ حضور جماعةٍ للّعان أقلها أربعة من العدول‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يشترط لصحّة اللّعان‏:‏

أوّلاً‏:‏ أن يكون الملاعن زوجاً يصح طلاقه وأهليّته لليمين‏,‏ لأنّ اللّعان يمين مؤكّدة بلفظ الشّهادة‏,‏ وذلك بأن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً‏,‏ ويكفي أن يكون زوجاً باعتبار ما كان أو في الصورة‏,‏ وينطبق ذلك على الحرّ والعبد والمسلم والذّمّيّ والرّشيد والسّفيه والسّكران والمحدود والمطلّق رجعياً وغيرهم‏.‏

ثانياً‏:‏ أن يسبق اللّعان قذف للزّوجة‏.‏

ثالثاً‏:‏ أن يأمر القاضي أو نائبه باللّعان‏.‏

رابعاً‏:‏ أن يلقّن القاضي أو نائبه كلمات اللّعان للمتلاعنين‏.‏

خامساً‏:‏ أن يكون اللّعان بألفاظ الشّهادات الّتي جاء بها الشّرع‏.‏

سادساً‏:‏ أن يتمّ المتلاعنان شهادات اللّعان‏.‏

سابعاً‏:‏ الموالاة بين كلمات اللّعان‏.‏

ثامناً‏:‏ أن يتأخّر لعان الزّوجة عن لعان الزّوج‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يشترط للّعان ثلاثة شروطٍ‏:‏

أحدها‏:‏ كون اللّعان بين زوجين عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين أو ذمّيّين حرّين أو رقيقين عدلين أو فاسقين أو محدودين في قذفٍ أو كان أحدهما كذلك‏.‏

الثّاني‏:‏ أن يقذفها بالزّنا في القبل أو الدبر سواء في ذلك الأعمى والبصير‏.‏

الثّالث‏:‏ أن تكذّبه الزّوجة في قذفه إيّاها ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللّعان‏.‏

ما يثبت به اللّعان عند القاضي

12 - يثبت اللّعان عند القاضي بواحد من أمرين‏:‏

الأمر الأوّل‏:‏ الإقرار بالقذف من الزّوج أمام القاضي‏,‏ فإذا قذف الرّجل زوجته بالزّنا فرفعت الزّوجة الأمر إلى القاضي‏,‏ وطالبت باللّعان بينها وبين زوجها‏,‏ وأقرّ الزّوج أنّه رماها بالزّنا حكم القاضي بإجراء اللّعان بينهما‏,‏ متى توافرت شرائط وجوبه‏.‏

الأمر الثّاني‏:‏ البيّنة‏,‏ وذلك إذا ادّعت المرأة أنّ زوجها اتّهمها بالزّنا‏,‏ وأنكر الزّوج ذلك فأقامت الزّوجة البيّنة على ما ادّعته‏,‏ ففي هذه الحالة يحكم القاضي بإجراء اللّعان بينها وبين زوجها بناءً على ما شهدت به البيّنة‏.‏

والبيّنة الّتي يتثبّت القذف بها شهادة رجلين‏,‏ ولا يقبل في إثبات القذف شهادة النّساء‏,‏ لأنّ اللّعان قائم مقام حدّ القذف في حقّ الرّجل‏,‏ وقائم مقام حدّ الزّنا في حقّ المرأة‏,‏ وأسباب الحدود لا تثبت بشهادة النّساء‏,‏ وذلك لوجود الشبهة في شهادتهنّ‏,‏ والحدود تدرأ بالشبهات‏.‏

وعلى هذا فلو ادّعت المرأة أنّ زوجها رماها بالزّنا وأنكر الزّوج ما ادّعته زوجته‏,‏ ولم تستطع الزّوجة إثبات ما ادّعته بالبيّنة فلا توجّه اليمين إلى الزّوج‏,‏ ولا يجب الحد بامتناعه عن الحلف‏,‏ وذلك لأنّ فائدة توجيه اليمين هي القضاء على من يوجّه إليه إذا نكل عن الحلف‏,‏ والنكول ليس إقراراً صريحاً‏,‏ وإنّما هو إقرار في المعنى‏,‏ والإقرار في المعنى تكون فيه شبهة‏,‏ والشبهة يندرئ الحد بها‏.‏

كيفيّة اللّعان

13 - يرى الحنفيّة في ظاهر الرّواية أنّه إذا كان المقذوف به في اللّعان هو الزّنا فينبغي للقاضي أن يقيم المتلاعنين بين يديه متماثلين‏,‏ فيأمر الزّوج أوّلاً أن يقول أربع مرّاتٍ‏:‏ أشهد باللّه أنّي لمن الصّادقين فيما رميتها به من الزّنا‏,‏ ويقول في الخامسة‏:‏ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا‏,‏ ثمّ يأمر المرأة أن تقول أربع مرّاتٍ‏:‏ أشهد باللّه بأنّه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزّنا‏,‏ وتقول في الخامسة‏:‏ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين فيما رماني به من الزّنا‏.‏

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه يحتاج إلى لفظ المواجهة‏,‏ فيقول الزّوج‏:‏ فيما رميتك به من الزّنا‏,‏ وتقول المرأة‏:‏ فيما رميتني به من الزّنا‏,‏ وهو قول زفر‏.‏

وإن كان المقذوف به نفي نسب الولد فقد ذكر الكرخي أنّ الزّوج يقول في كلّ مرّةٍ‏:‏ فيما رميتك به من نفي ولدك‏,‏ وتقول المرأة‏:‏ فيما رميتني به من نفي ولدي‏.‏

وذكر الطّحاويّ أنّ الزّوج يقول في كلّ مرّةٍ‏:‏ فيما رميتها به من الزّنا في نفي ولدها‏,‏ وتقول المرأة‏:‏ فيما رماني به من الزّنا في نفي ولده‏.‏

14 - وقال المالكيّة‏:‏ إن كان المقذوف به هو الزّنا يقول الزّوج أربع مرّاتٍ‏:‏ أشهد باللّه لرأيتها تزني إذا كان بصيراً‏,‏ فإن كان أعمى يقول‏:‏ لعلمتها تزني أو لتيقّنتها تزني‏,‏ ثمّ يقول في الخامسة‏:‏ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين عليها‏,‏ وتقول الزّوجة أربع مرّاتٍ‏:‏ أشهد باللّه ما زنيت أو ما رآني أزني‏,‏ وتخمّس‏:‏ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين فيما رماني به‏.‏

وإن كان المقذوف به هو نفي الحمل فيقول الزّوج أربع مرّاتٍ‏:‏ أشهد باللّه ما هذا الحمل منّي‏,‏ ويقول في الخامسة‏:‏ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين‏,‏ وتقول المرأة أربع مرّاتٍ‏:‏ ما زنيت‏,‏ وتقول في الخامسة‏:‏ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين‏.‏

15 - وقال الشّافعيّة‏:‏ اللّعان إمّا أن يكون لدرء حدّ قذف الزّوج زوجته فقط‏,‏ أو يكون مع ذلك لنفي الولد‏,‏ أو يكون لنفي الولد فقط‏.‏

فإن كان اللّعان لدرء حدّ القذف فقط فإنّ صفته من الرّجل أن يقول أربع مرّاتٍ‏:‏ أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه - إن حضرت - أو زوجتي فلانةً بنت فلانٍ - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر وصفها بما يميّزها إن غابت - من الزّنا‏,‏ ويقول في الخامسة‏:‏ وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا‏.‏

وإن كان اللّعان لدرء الحدّ ونفي الولد فإنّه يشهد أربع شهاداتٍ باللّه يقول في كلٍّ منها‏:‏ أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه إن حضرت - أو زوجتي فلانةً - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر وصفها بما يميّزها إن غابت - من الزّنا‏,‏ وأنّ الولد الّذي ولدته - إن غاب - أو هذا الولد - إن حضر - من زناً وليس منّي‏,‏ ويقول في الخامسة‏:‏ وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا ومن نفي الولد‏.‏

وإن كان اللّعان لنفي ولدٍ وليس لدرء حدٍّ فيقول أربع مرّاتٍ‏:‏ أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه - إن حضرت - أو زوجتي فلانةً بنت فلانٍ - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر صفتها بما يميّزها إن غابت - من إصابة غيري لها على فراشي وأنّ الولد منه لا منّي‏,‏ ويقول في الخامسة‏:‏ وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي من نفي الولد‏,‏ أمّا المرأة فإنّها لا تلاعن في الحالة الثّالثة‏,‏ إذ لا حدّ عليها بلعان الرّجل‏.‏

أمّا في الحالتين الأوليين فصيغة لعان المرأة أن تقول - أربع مرّاتٍ - بعد لعانه أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين فيما رماني به - وتشير إليه إن حضر وإلا ميّزته كما مرّ في لعان الرّجل- من الزّنا‏,‏ ولا تحتاج إلى ذكر الولد لأنّه لا يتعلّق به في لعانها حكم‏,‏ وتقول في الشّهادة الخامسة‏:‏ وعليّ غضب اللّه إن كان من الصّادقين فيما رماني به من الزّنا‏.‏

وقالوا‏:‏ خصّ الغضب بها لأنّ جريمة زناها الّتي لاعنت لإسقاط حدّه أقبح من جريمة قذفه‏,‏ والغضب وهو الانتقام بالعذاب أغلظ من اللّعن الّذي هو البعد عن الرّحمة‏.‏

ولا يثبت شيء من أحكام اللّعان إلا إذا تمّت الكلمات الخمس‏,‏ ولو حكم حاكم بالفرقة بأكثر كلمات اللّعان لم ينفذ حكمه‏,‏ لأنّ حكمه غير جائزٍ بالإجماع‏,‏ فلا ينفذ كسائر الأحكام الباطلة‏.‏

ولو قال بدل كلمة الشّهادة‏:‏ أحلف باللّه‏,‏ أو أقسم‏,‏ أو أولي باللّه إنّي لمن الصّادقين‏,‏ أو قال‏:‏ باللّه إنّي لمن الصّادقين من غير زيادةٍ‏,‏ أو أبدل لفظ اللّعن بالإبعاد‏,‏ أو لفظ الغضب بالسّخط‏,‏ أو الغضب باللّعن أو عكسه‏,‏ لم يصحّ على الأصحّ في جميع ذلك‏,‏ وقيل‏:‏ لا يصح قطعاً في إبدال الغضب باللّعن‏,‏ ولا في الاقتصار على‏:‏ باللّه إنّي لمن الصّادقين‏,‏ ويشترط تأخير لفظتي اللّعن والغضب عن الكلمات الأربع على الأصحّ‏,‏ ويشترط الموالاة بين الكلمات الخمس على الأصحّ‏,‏ فيؤثّر الفصل الطّويل‏.‏

ويشترط في لعان الرّجل والمرأة أن يأمر الحاكم به‏,‏ فيقول للملاعن‏:‏ قل‏:‏ أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين‏.‏‏.‏ إلى آخرها‏.‏

ويشترط كون لعانها بعد لعان الرّجل‏.‏

وإن لم يكن للأخرس إشارة مفهومة‏,‏ ولا كتابة‏,‏ لم يصحّ قذفه ولا لعانه‏,‏ ولا سائر تصرفاته‏,‏ وإن كان له إشارة مفهومة‏,‏ أو كتابة‏,‏ صحّ قذفه ولعانه‏,‏ كالبيع والنّكاح والطّلاق وغيرها‏,‏ وذكر المتولّي‏:‏ أنّه إذا لاعن بالإشارة‏,‏ أشار بكلمة الشّهادة أربع مرّاتٍ‏,‏ ثمّ بكلمة اللّعن‏,‏ وإن لاعن بالكتابة كتب كلمة الشّهادة وكلمة اللّعن‏,‏ ويشير إلى كلمة الشّهادة أربع مرّاتٍ‏,‏ ولا يكلّف أن يكتب أربع مرّاتٍ‏,‏ ولو لاعن الأخرس بالإشارة‏,‏ ثمّ عاد نطقه وقال‏:‏ لم أرد اللّعان بإشارتي‏,‏ قبل قوله فيما عليه‏,‏ فيلحقه النّسب والحد‏,‏ ولا يقبل فيما له‏,‏ فلا ترتفع الفرقة والتّحريم المؤبّد‏,‏ وله أن يلاعن في الحال لإسقاط الحدّ‏,‏ وله اللّعان لنفي الولد إن لم يفت زمن النّفي‏,‏ ولو قال‏:‏ لم أرد القذف أصلاً‏,‏ لم يقبل قوله‏.‏

ولو قذف ناطق‏,‏ ثمّ عجز عن الكلام لمرض أو غيره‏,‏ فإن لم يرج زوال ما به‏,‏ فهو كالأخرس‏,‏ وإن رجي‏,‏ فثلاثة أوجهٍ‏:‏

أحدها‏:‏ لا ينظر‏,‏ بل يلاعن بالإشارة لحصول العجز‏,‏ وربّما مات فلحقه نسب باطل‏.‏ والثّاني‏:‏ ينتظر وإن طالت مدّته‏.‏

وأصحها‏:‏ ينتظر ثلاثة أيّامٍ فقط‏,‏ ونقل الإمام أنّ الأئمّة صحّحوه‏.‏ وعلى هذا‏,‏ فالوجه أن يقال‏:‏ إن كان يرجى زواله إلى ثلاثة أيّامٍ ينتظر‏,‏ وإلا فلا ينتظر أصلاً‏.‏

ومن لا يحسن العربيّة‏,‏ يلاعن بلسانه‏,‏ ويراعى ترجمة الشّهادة واللّعن والغضب‏,‏ فإن أحسن العربيّة‏,‏ فهل يتعيّن اللّعان بها‏,‏ أم له أن يلاعن بأيّ لسانٍ شاء ‏؟‏ فيه وجهان‏.‏ أصحهما‏:‏ الثّاني‏.‏

وإذا لاعن بغير العربيّة‏,‏ فإن كان القاضي يحسن تلك اللغة‏,‏ فلا حاجة إلى مترجمٍ‏,‏ ويستحب أن يحضره أربعة ممّن يحسنها‏,‏ وإن لم يحسنها‏,‏ فلا بدّ من مترجمين‏,‏ ويكفيان في جانب المرأة‏,‏ فإنّها تلاعن لنفي الزّنا لا لإثباته‏,‏ وفي جانب الرّجل طريقان‏:‏

أصحهما‏:‏ القطع بالاكتفاء باثنين‏,‏ وبه قال أبو إسحاق وابن سلمة‏.‏

والثّاني‏:‏ على قولين‏:‏ بناءً على الإقرار بالزّنا يثبت بشاهدين‏,‏ أم يشترط أربعة ‏؟‏ والأظهر ثبوته بشاهدين‏.‏

16 - وصفة اللّعان عند الحنابلة أن يقول الزّوج بحضرة حاكمٍ أو نائبه‏,‏ وكذا لو حكّم رجلاً أهلاً للحكم‏:‏ أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزّنا مشيراً إليها إن كانت حاضرةً‏,‏ وما دامت حاضرةً فلا يحتاج إلى تسميتها وبيان نسبها‏,‏ وإن لم تكن حاضرةً بالمجلس سمّاها ونسبها بما تتميّز به حتّى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها‏,‏ ويعيد قوله‏:‏ أشهد باللّه‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ مرّةً بعد أخرى حتّى يكمل ذلك أربع مرّاتٍ‏,‏ ولا يشترط حضورهما - المتلاعنين - معاً‏,‏ بل لو كان أحدهما غائباً عن صاحبه جاز لعموم الأدلّة‏,‏ ثمّ يقول في المرّة الخامسة‏:‏ وإنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا‏.‏

ثمّ تقول هي بعد ذلك‏:‏ أشهد باللّه إنّ زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزّنا وتشير إليه إن كان حاضراً بالمجلس‏,‏ وإن كان غائباً عن المجلس سمّته ونسبته‏,‏ وتكرّر ذلك‏,‏ فإذا كمّلت أربع مرّاتٍ تقول في الخامسة‏:‏ وأنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين‏,‏ وتزيد استحباباً فيما رماني به من الزّنا خروجاً من خلاف من أوجبه‏,‏ فإن نقص أحد المتلاعنين من الجمل الخمسة شيئاً لم يعتدّ به لأنّ اللّه تعالى علّق الحكم عليها‏,‏ كما لا يعتد به إذا بدأت المرأة باللّعان قبله‏,‏ أو تلاعنا بغير حضرة حاكمٍ‏,‏ أو أبدل أحدهما لفظة‏:‏ أشهد بأقسم أو أحلف أو أولي لم يعتدّ به‏,‏ أو أبدل لفظة اللّعنة بالإبعاد أو بالغضب‏,‏ أو أبدلت المرأة لفظة الغضب بالسّخط أو باللّعنة لم يعتدّ به‏,‏ أو قدّم الرّجل اللّعنة قبل الخامسة لم يعتدّ به‏.‏

ولو علّق أحدهما اللّعان بشرط‏,‏ أو لم يوال أحدهما بين الكلمات عرفاً‏,‏ أو أتى باللّعان بغير العربيّة من يحسنها لم يعتدّ به‏.‏

وإن أتى الزّوج باللّعان قبل مطالبتها له بالحدّ مع عدم ولدٍ يريد نفيه لم يعتدّ به‏.‏

وإذا فهمت إشارة الأخرس منهما أو كتابته صحّ لعانه بها وإلا فلا‏.‏

17 - وقال الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في القول الصّحيح‏:‏ لو بدأ القاضي بلعان المرأة لا يعتد به‏,‏ وعليه أن يعيد لعانها بعد لعان الرّجل‏,‏ لأنّه أتى باللّعان على غير ما ورد به القرآن والسنّة فلا يكون صحيحاً‏,‏ كما لو اقتصر على لفظةٍ واحدةٍ‏,‏ ولأنّ لعان الرّجل لإثبات زنا المرأة ونفي ولدها‏,‏ ولعان المرأة للإنكار‏,‏ فقدّمت بيّنة الإثبات كتقديم الشهود على الأيمان‏,‏ ولأنّ لعان المرأة لدرء العذاب عنها‏,‏ ولا يتوجّه عليها العذاب إلا بلعان الرّجل‏,‏ فإذا قدّم لعانها على لعانه كان تقديماً له على وقته فلا يكون صحيحاً كما لو قدّم على القذف‏.‏

18 - وعند الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة في أحد القولين أنّ وجوب البداءة بشهادة الرّجل في اللّعان لأنّه المدّعي‏,‏ وفي الدّعاوى يبدأ بشهادة المدّعي‏,‏ فلو حصل العكس وقدّم القاضي المرأة في اللّعان على الرّجل فقد أخطأ‏,‏ وينبغي له أن يعيد لعان المرأة بعد الرّجل حتّى يقع اللّعان على التّرتيب الوارد في القرآن والسنّة‏.‏

فإن لم يعد القاضي لعان المرأة وفرّق بين الزّوجين نفذ قضاؤُه بالفرقة لأنّه قضاء في محلٍّ مجتهدٍ فيه‏,‏ والقضاء إذا صدر في محلٍّ مجتهدٍ فيه يكون نافذاً‏.‏

ما يجب عند امتناع الزّوج عن اللّعان

19 - قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إذا امتنع الزّوج عن اللّعان لا يحبس ولكن يحد حدّ القذف هذا في الجملة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن امتنع الزّوج عن اللّعان فعليه الحد إن كانت الزّوجة حرّةً مسلمةً‏,‏ فإن كانت الزّوجة أمةً أو ذمّيّةً فعليه الأدب‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا طلب القاضي من الزّوج الملاعنة فامتنع حبسه حتّى يلاعن أو تصدّقه المرأة فيما ادّعاه‏,‏ أو يكذّب نفسه فيحد حدّ القذف‏.‏

وهذا الخلاف مبني على اختلافهم في الموجب الأصليّ لقذف الزّوج امرأته أهو اللّعان أو الحد واللّعان مسقط له ‏؟‏

فعند الجمهور الموجب الأصلي للقذف هو الحد‏,‏ واللّعان مسقط له لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ فإنّه أوجب الحدّ على كلّ قاذفٍ سواء أكان زوجاً أم غيره‏,‏ ثمّ جاء قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ الآيات مبيّناً أنّ القاذف إن كان زوجاً فله أن يدفع الحدّ عنه باللّعان‏,‏ فإذا امتنع عنه ثبت الموجب الأصلي وهو الحد‏.‏

وعند الحنفيّة الموجب الأصلي للقذف هو اللّعان‏,‏ فإذا امتنع الزّوج عنه حبس حتّى يلاعن أو يكذّب نفسه فيحد حدّ القذف‏,‏ وذلك لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ فإنّه تعالى جعل موجب قذف الزّوج لزوجته إذا لم يأت بأربعة يشهدون على صحّة قذفه اللّعان فقط‏,‏ بعد أن كان موجبه الحدّ بمقتضى عموم الآية الّتي قبل هذه الآيات‏,‏ وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏‏,‏ وبذلك صارت آية القذف منسوخةً في حقّ الأزواج‏,‏ بناءً على أنّ الأصل المقرّر عند الحنفيّة‏:‏ أنّ الخاصّ إذا تأخّر وروده عن العامّ كان ناسخاً للعامّ فيما تعارضا فيه‏,‏ وهو هنا الأزواج‏,‏ فإنّ آية اللّعان‏,‏ تأخّر نزولها عن آية القذف وإن كانت مذكورةً عقبها في المصحف‏,‏ والدّليل على ذلك ما روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «إنّا ليلة الجمعة في المسجد‏,‏ إذ جاء رجل من الأنصار فقال‏:‏ لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً وتكلّم جلدتموه‏,‏ أو قتل قتلتموه‏,‏ وإن سكت سكت على غيظٍ‏,‏ واللّه لأسألنّ عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فلمّا كان في الغد أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسأله‏,‏ فقال‏:‏ لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلّم جلدتموه‏,‏ أو قتل قتلتموه‏,‏ أو سكت سكت على غيظٍ‏,‏ فقال‏:‏ اللّهمّ افتح ، وجعل يدعو فنزلت آية اللّعان»‏.‏

فإنّ قوله‏:‏ ‏"‏ وإن تكلّم جلدتموه ‏"‏ يدل على أنّ موجب قذف الزّوجة كان الجلد قبل نزول آية اللّعان ثمّ صار بعد نزول الآية الخاصّة بالأزواج اللّعان‏,‏ وبهذا كان الواجب بقذف الزّوج الزّوجة هو اللّعان‏,‏ فإذا امتنع الزّوج عنه حبس حتّى يلاعن‏,‏ لامتناعه عن الواجب عليه‏,‏ كما يحبس المدين إذا امتنع عن إيفاء ما عليه من الدّين‏.‏

ما يجب إذا امتنعت المرأة عن اللّعان

20 - إذا لاعن الزّوج وامتنعت المرأة عن اللّعان لا تحد حدّ الزّنا‏,‏ ولكن تحبس حتّى تلاعن‏,‏ أو تصدّق الزّوج فيما ادّعاه‏,‏ فإن صدّقته خلّي سبيلها من غير حدٍّ‏,‏ وهذا مذهب الحنفيّة‏,‏ ووجهتهم في الحبس‏:‏ أنّ اللّعان هو الموجب الأصلي للقذف في حقّ الزّوجين - كما تقدّم - فيكون واجباً على المرأة بعد لعان زوجها‏,‏ فإذا امتنعت عنه أجبرت عليه بالحبس‏,‏ كالمدين إذا امتنع عن إيفاء ما عليه من الدّين‏,‏ فإنّه يحبس حتّى يوفّي ما عليه‏.‏ ووجهتهم في إخلاء سبيلها بدون حدٍّ إذا صدّقت الزّوج‏:‏ أنّ تصديقها ليس بإقرار قصداً يثبت به الحد ولو أعادت ذلك أربع مرّاتٍ في مجالس متفرّقةٍ‏.‏ ولأنّ المرأة لو أقرّت بالزّنا‏,‏ ثمّ رجعت عن إقرارها لم تحدّ‏,‏ وامتناعها عن اللّعان أقل دلالةً على الزّنا من الإقرار الّذي رجعت عنه فلا يجب به الحد بالطّريق الأولى‏.‏

والحنابلة يوافقون الحنفيّة في أنّ المرأة لا تحد حدّ الزّنا إذا امتنعت عن اللّعان‏,‏ ويخالفونهم فيما يصنع بها إذا امتنعت‏,‏ ففي روايةٍ - وهي الأصح كما قال القاضي - تحبس حتّى تلاعن أو تقرّ أربع مرّاتٍ بالزّنا‏,‏ فإن لاعنت سقط عنها الحد‏,‏ وإن أقرّت أربع مرّاتٍ حدّت حدّ الزّنا‏,‏ وفي روايةٍ ثانيةٍ‏:‏ يخلّى سبيلها لأنّه لم يجب الحد عليها فيجب تخلية سبيلها‏,‏ كما لو لم تكمل البيّنة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّه إذا لم يتمّ التعانهما جميعاً فلا تزول الزّوجيّة ولا ينتفي نسب الولد‏.‏

وقال المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ إذا امتنعت المرأة عن اللّعان بعد لعان الزّوج حدّت حدّ الزّنا‏,‏ وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ‏}‏‏.‏ وأضاف المالكيّة‏:‏ أنّ الحدّ عليها إن كانت مسلمةً‏,‏ وإن كانت ذمّيّةً ففيها الأدب‏.‏

آثار اللّعان

أوّلاً‏:‏ آثار اللّعان في حقّ الزّوجين

إذا تمّ اللّعان بين الزّوج وامرأته ترتّبت عليه آثار في حقّهما‏,‏ منها‏:‏

21 - الأوّل‏:‏ انتفاء الحدّ عن الزّوجين‏,‏ فلا يقام حد القذف على الزّوج‏,‏ ولا يقام حد الزّنا على المرأة‏,‏ وذلك لأنّ الشّارع خفّف عن الزّوجين‏,‏ فشرع لهما اللّعان لإسقاط الحدّ عنهما‏,‏ فإذا أجري اللّعان بين الزّوجين سقط عن الزّوج حد القذف وسقط عن المرأة حد الزّنا‏.‏

22 - الثّاني‏:‏ ذهب الحنفيّة إلى أنّ حكم اللّعان حرمة الوطء والاستمتاع ولكن لا تقع التّفرقة بنفس اللّعان‏.‏

وإن أكذب نفسه ولو دلالةً حدّ للقذف‏,‏ وله بعد ما كذّب نفسه أن ينكحها‏:‏ حُدّ أو لا‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ إذا افترق المتلاعنان فلا يجتمعان أبداً‏,‏ فيثبت بينهما حرمة مؤبّدة كحرمة الرّضاع‏.‏

ويرى المالكيّة والحنابلة أنّه بتمام لعان الزّوجين تتأبّد الحرمة بينهما‏,‏ لقول عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ المتلاعنان إذا تلاعنا يفرّق بينهما ولا يجتمعان أبداً ‏"‏‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا لاعن الزّوج لدرء حدّ قذف الزّوجة بالزّنا عنه ثبتت الحرمة المؤبّدة بينهما بناءً على هذا اللّعان‏,‏ فإن لاعن لنفي النّسب وحده لم ينقطع به نكاح ولم تسقط به عقوبة بأن كان أبانها أو عفت عن العقوبة أو أقام بيّنةً بزناها‏.‏

وقالوا‏:‏ والحرمة المؤبّدة بينهما بناءً على لعان الزّوج لدرء حدّ قذفه زوجته تقتضي أنّه لا يحل له نكاحها بعد اللّعان‏,‏ ولا وطؤُها بملك اليمين لو كانت أمةً واشتراها‏,‏ لما ورد أنّه صلى الله عليه وسلم فرّق بينهما ثمّ قال‏:‏ «لا سبيل لك عليها»‏,‏ ولقوله‏:‏ «المتلاعنان إذا تفرّقا لا يجتمعان أبداً»‏.‏

وإن أكذب الزّوج نفسه فلا يفيده ذلك عود النّكاح ولا رفع تأبيد الحرمة لأنّهما حق له وقد بطلا فلا يتمكّن من عودهما‏,‏ بخلاف الحدّ ولحوق النّسب فإنّهما يعودان لأنّهما حق عليه‏,‏ وأمّا حدها ففي كلام الإمام ما يفهم سقوطه بإكذابه نفسه‏.‏

23 - الثّالث‏:‏ حصول الفرقة بين الزّوجين‏.‏ غير أنّ هذه الفرقة لا تتم إلا بتفريق القاضي عند الحنفيّة وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه فلو تمّ اللّعان بين الزّوجين ولم يحكم القاضي بالتّفريق بينهما فالزّوجيّة تعتبر قائمةً في حقّ بعض الأحكام كالميراث ووقوع الطّلاق‏,‏ فلو مات أحد الزّوجين بعد اللّعان وقبل الحكم بالتّفريق ورثه الآخر‏,‏ ولو طلّق الزّوج امرأته بعد اللّعان وقبل التّفريق وقع الطّلاق‏,‏ ولو أكذب الزّوج نفسه حينئذٍ فإنّها تحل له من غير تجديد عقد الزّواج‏,‏ وحجّتهم في ذلك‏,‏ ما ورد في قصّة المتلاعنين من أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرّق بينهما ، فإنّه يدل على أنّ الفرقة لا تقع بلعان الزّوج ولا بلعان الزّوجة‏,‏ إذ لو وقعت لما حصل التّفريق من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد وقوع الفرقة بينهما بنفس اللّعان‏,‏ وما روي في حديث عويمرٍ العجلانيّ أنّه قال‏:‏ «كذبت عليها يا رسول اللّه إن أمسكتها‏,‏ فطلّقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم» ، فإنّ هذا يقتضي إمكان إمساك المرأة بعد اللّعان وأنّه وقع طلاقه‏,‏ ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك باللّعان لما وقع طلاقه ولا أمكنه إمساكها‏,‏ وأيضاً فإنّ سبب هذه الفرقة يتوقّف على الحاكم فالفرقة المتعلّقة به لا تقع إلا بحكمه قياساً على الفرقة بالعنّة ونحوها‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّ الفرقة تقع بين الزّوجين بمجرّد اللّعان من غير توقفٍ على حكم القاضي‏,‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ الفرقة متعلّقة بلعان الزّوج وإن لم تلاعن الزّوجة‏,‏ وذلك لما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه قال‏:‏ ‏"‏ المتلاعنان إذا تلاعنا يفرّق بينهما ولا يجتمعان أبداً ‏"‏‏.‏

ولأنّ اللّعان يقتضي التّحريم المؤبّد فلا يحتاج للتّفريق به إلى حكم الحاكم كالرّضاع‏,‏ وأيضاً فإنّ الفرقة لو لم تحصل إلا بتفريق الحاكم لساغ ترك التّفريق بين الزّوجين إذا كرها الفرقة بينهما ولم يرضيا بها‏,‏ كالتّفريق للعيب والإعسار‏,‏ وترك التّفريق بينهما لا يجوز رضيا بذلك أو لم يرضيا‏.‏

24 - واختلف الفقهاء في نوع الفرقة المترتّبة على اللّعان أهي طلاق أو فسخ ‏؟‏ وفي الحرمة المترتّبة على اللّعان أهي حرمة مؤبّدة فلا تحل المرأة للرّجل وإن أكذب نفسه ‏؟‏ أو هي حرمة مؤقّتة تنتهي إذا أكذب الرّجل نفسه ‏؟‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ الفرقة باللّعان فسخ‏,‏ وهي توجب التّحريم المؤبّد كحرمة الرّضاع‏,‏ فلا يمكن أن يعود المتلاعنان إلى الزّواج بعد اللّعان أبداً ولو أكذب الزّوج نفسه أو خرج عن أهليّة الشّهادة أو صدّقته المرأة في قذفه‏,‏ وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين‏:‏ «لا يجتمعان أبداً»‏.‏

ولما روى سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏ مضت السنّة بعد في المتلاعنين أن يفرّق بينهما ثمّ لا يجتمعان أبداً ‏"‏‏.‏

ولأنّ اللّعان قد وجد‏,‏ وهو سبب التّفريق‏,‏ وتكذيب الزّوج نفسه أو خروج أحد الزّوجين عن أهليّة الشّهادة لا ينفي وجود السّبب‏,‏ بل هو باقٍ فيبقى حكمه‏,‏ وأيضاً فإنّ الرّجل إن كان صادقاً في قذف امرأته فلا ينبغي أن يعود إلى معاشرتها مع علمه بحالها حتّى لا يكون زوج بغيٍّ‏,‏ وإن كان كاذباً في قذفها فلا ينبغي أن يمكّن من معاشرتها لإساءته إليها واتّهامها بهذه الفرية العظيمة وإحراق قلبها‏,‏ ولا يمكن اعتبار الفرقة باللّعان طلاقاً لأنّه ليس بصريح في الطّلاق ولا نوى به الطّلاق‏,‏ ولأنّه لو كان طلاقاً لوقع بلعان الزّوج دون لعان المرأة‏,‏ والفرقة بين الزّوجين - عند غير الشّافعيّة - لا تقع إلا بلعانهما‏.‏

وقال أبو حنيفة ومحمّد بن الحسن‏:‏ الفرقة بسبب اللّعان تكون طلاقاً بائناً لا فسخاً‏,‏ لأنّها فرقة من جانب الزّوج‏,‏ والقاضي قام بالتّفريق‏,‏ نيابةً عنه‏,‏ فيكون فعله منسوباً إليه‏,‏ والفرقة متى كانت من جانب الزّوج وأمكن جعلها طلاقاً كانت طلاقاً لا فسخاً‏,‏ وإنّما كانت طلاقاً بائناً‏,‏ لتوقفها على القضاء‏,‏ وكل فرقةٍ تتوقّف على القضاء تعتبر طلاقاً بائناً‏,‏ وقالا‏:‏ إنّ الحرمة المترتّبة على اللّعان تزول إذا أكذب الزّوج نفسه أو خرج عن أهليّة الشّهادة‏,‏ أو خرجت هي عن أهليّتها للشّهادة‏,‏ لأنّ الزّوج إذا أكذب نفسه أعتبر تكذيبه رجوعاً عن اللّعان‏,‏ واللّعان شهادة في رأيهما‏,‏ والشّهادة لا حكم لها بعد الرجوع عنها‏,‏ وفي هذه الحالة يحد الرّجل حدّ القذف‏,‏ ويثبت نسب الولد منه إن كان القذف نفي الولد‏.‏

وإذا خرج أحد الزّوجين عن أهليّته للشّهادة انتفى السّبب الّذي من أجله كان التّفريق وهو اللّعان‏,‏ فيزول حكمه وهو التّحريم‏.‏

ثانياً‏:‏ آثار اللّعان في حقّ نسب الولد

25 - إذا تمّ اللّعان بين الزّوجين وكان موضوعه نفي نسب الولد ترتّب عليه انتفاء نسب الولد عن الزّوج وألحق بأمّه‏,‏ وذلك إذا توافرت الشروط الآتية‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ الفوريّة‏:‏

26 - أن ينفي الزّوج الولد عند الولادة أو في مدّة التّهنئة بالمولود‏,‏ وهذا عند أبي حنيفة‏,‏ ولم يرو عنه في ظاهر الرّواية تقدير هذه المدّة بزمن معيّنٍ‏,‏ بل جعل تقديرها مفوّضاً إلى رأي القاضي لأنّ نفي الولد أو عدم نفيه يحتاج إلى التّفكير والتّروّي قبل الإقدام عليه‏,‏ إذ ربّما ينفي نسبه وهو منه‏,‏ أو يعترف به وهو ليس منه‏,‏ وكلاهما لا يحل شرعاً‏,‏ وعلى هذا لا بدّ من إعطاء الزّوح مدّةً يفكّر فيها ويتروّى‏,‏ وهذه المدّة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال‏,‏ فلا يمكن تحديد زمنٍ يطبّق بالنّسبة لجميع الأفراد والحالات‏,‏ فيجب تفويض ذلك إلى القاضي‏.‏

وقال أبو يوسف ومحمّد بن الحسن‏:‏ نفي الولد يتقدّر بأكثر مدّة النّفاس وهي أربعون يوماً‏,‏ لأنّ النّفاس أثر الولادة‏,‏ فيأخذ حكمها‏,‏ فكما يكون للزّوج أن ينفي الولد عند الولادة يكون له أيضاً أن ينفيه ما دام أثرها باقياً‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة إلى أنّ التّعجيل شرط لنفي الحمل أو الولد عن الزّوج‏,‏ فلو علم الزّوج بالحمل أو الولادة فسكت عن نفيه بعد علمه‏,‏ ثمّ أراد أن ينفيه باللّعان‏,‏ فإنّه لا يمكّن منه ويحد حدّ القذف‏,‏ سواء طال زمن سكوته كالشّهر أو قصر كاليوم واليومين‏,‏ إلا أن يكون سكوته لعذر‏.‏

وفي مغني المحتاج‏:‏ والنّفي لنسب ولدٍ يكون على الفور في الأظهر الجديد‏,‏ لأنّه شرع لدفع ضررٍ محقّقٍ فكان على الفور‏,‏ كالرّدّ بالعيب وخيار الشفعة‏,‏ ويعذر الزّوج في تأخير النّفي لعذر‏,‏ كأن بلغه الخبر ليلاً فأخّر حتّى يصبح أو كان جائعاً فأكل أو عارياً فلبس‏,‏ فإن كان محبوساً أو مريضاً أو خائفاً ضياع مالٍ أرسل إلى القاضي ليبعث إليه نائباً يلاعن عنده‏,‏ أو ليعلمه أنّه مقيم على النّفي‏,‏ فإن لم يفعل بطل حقه‏,‏ فإن تعذّر عليه الإرسال أشهد إن أمكنه‏,‏ فإن لم يشهد مع تمكنه منه بطل حقه‏.‏

وفي المغني لابن قدامة‏:‏ إذا ولدت المرأة فسكت زوجها عن نفي ولدها مع إمكانه لزمه نسبه‏,‏ ولم يكن له نفيه بعد ذلك‏,‏ ولا يتقرّر ذلك بثلاثة أيّامٍ‏,‏ بل هو على حسب ما جرت به العادة‏,‏ إن كان ليلاً فحتّى يصبح وينتشر النّاس‏,‏ وإن كان جائعاً أو ظمآن فحتّى يأكل أو يشرب‏,‏ أو ينام إن كان ناعساً‏,‏ أو يلبس ثيابه ويسرّج دابّته ويركب‏,‏ ويصلّي إن حضرت الصّلاة ويحرّز ماله إن كان غير محرّزٍ‏,‏ وأشباه ذلك من أشغاله‏,‏ فإن أخّره بعد هذا كلّه لم يكن له نفيه‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ عدم الإقرار‏:‏

27 - يشترط ألا يكون الزّوج أقرّ بالولد صراحةً أو دلالةً‏,‏ مثال الإقرار صراحةً أن يقول الرّجل‏:‏ هذا ولدي‏,‏ أو هذا الولد منّي‏,‏ ومثال الإقرار دلالةً أن يقبل التّهنئة بالمولود أو يسكت عند التّهنئة‏,‏ ولا يردّ على المهنئ‏,‏ لأنّ العاقل لا يسكت عادةً عند التّهنئة بولد ليس منه‏,‏ فإذا سكت كان سكوته اعترافاً بالنّسب دلالةً‏.‏

وعلى هذا لو أقرّ الزّوج بالولد صراحةً أو دلالةً‏,‏ أو سكت عن نفي نسبٍ حتّى مضت مدّة التّهنئة‏,‏ أو أكثر مدّة النّفاس‏,‏ أو حتّى مضت مدّة يمكنه النّفي فيها ولم ينفه ثمّ نفى نسبه لا ينتفي نسب الولد منه‏,‏ لأنّ سكوته عن النّفي حتّى مضت هذه المدّة يعتبر إقراراً منه بالولد‏,‏ والإقرار بالنّسب لا يصح الرجوع فيه‏.‏

وفي هذه الحالة يكون للمرأة عند الحنفيّة الحق في طلب اللّعان بينها وبين زوجها‏,‏ لأنّه لمّا نفى نسب الولد منه كان متّهماً لها بالزّنا‏,‏ فيكون لها أن تدفع العار عن نفسها باللّعان بينها وبينه‏,‏ ولو تمّ اللّعان بينهما بناءً على طلب المرأة لا يترتّب عليه قطع نسب الولد عن الزّوج‏,‏ لأنّ نسبه قد ثبت بالإقرار صراحةً أو دلالةً فلا يمكن نفيه بعد ذلك‏.‏

ونصّ المالكيّة على أنّ اللّعان إذا امتنع إجراؤُه بين الزّوجين لنفي نسب الولد‏,‏ كأن وطئ الملاعن زوجته بعد رؤيتها تزني‏,‏ أو بعد علمه بوضع أو حملٍ‏,‏ أو أخّر اللّعان بعد علمه بوضع أو حمل اليوم واليومين بلا عذرٍ في التّأخير‏,‏ ففي هذه الحالات يمتنع لعانه ويثبت نسب الولد وبقيت زوجةً‏,‏ وإنّما يحد الزّوج حدّ القذف إن كانت الزّوجة مسلمةً‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ حياة الولد‏:‏

28 - أن يكون الولد حياً عند اللّعان وعند الحكم بقطع نسبه وهذا عند الحنفيّة‏,‏ فلو ولدت المرأة ولداً‏,‏ ونفى الزّوح نسبه منه‏,‏ ثمّ مات الولد قبل حصول اللّعان‏,‏ أو مات بعد حصوله ولكن قبل الحكم بقطع نسبه من الزّوج لا ينتفي عنه‏,‏ لأنّ النّسب يتقرّر بالموت‏,‏ والشّيء إذا تقرّر لا يمكن نفيه‏,‏ ولكن للزّوجة الحق في طلب إجراء اللّعان إن مات الولد قبل إجرائه لدفع عار الزّنا عنها‏.‏

والمالكيّة يوافقون الحنفيّة في ذلك‏,‏ إلا أنّهم يقولون‏:‏ إنّ للزّوج الحقّ في طلب اللّعان بعد موت الولد‏,‏ وذلك لإسقاط حدّ القذف عنه‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ حياة الولد عند اللّعان ليست شرطاً لنفي نسبه باللّعان‏,‏ لأنّ نسبه لا ينقطع بالموت‏,‏ بل يقال‏:‏ مات ولد فلانٍ‏,‏ وهذا قبر ولد فلانٍ‏,‏ ويلزم الزّوج تجهيزه وتكفينه‏,‏ فيكون له نفي نسبه وإسقاط مؤنته‏,‏ كما لو كان حياً‏.‏

أثر اللّعان من حيث جعل الولد المنفيّ نسبه أجنبياً

الولد الّذي يقطع نسبه من الأبّ‏,‏ ويلحق بأمّه بناءً على اللّعان يكون أجنبياً منه في بعض الأحكام‏,‏ ولا يكون أجنبياً منه في بعضها‏:‏

29 - فيكون أجنبياً منه في الأحكام الآتية‏:‏

أ - الإرث‏:‏ فلا توارث بين الملاعن وبين الولد الّذي نفى نسبه باللّعان وهذا باتّفاق‏,‏ بمعنى أنّ قرابة الأبوّة لا تكون معتبرةً في الإرث‏,‏ فلو مات الولد الّذي نفي نسبه باللّعان وترك مالاً فلا يرثه أحد بقرابة الأبوّة‏,‏ وإنّما ترثه أمه وأقرباؤُه من جهتها‏.‏

ب - النّفقة‏:‏ فلا تجب بين الملاعن وبين من نفى نسبه باللّعان نفقة الأبناء على الآباء‏,‏ ولا نفقة الآباء على الأبناء‏,‏ وهذا باتّفاق‏.‏

30 - ولا يكون الولد أجنبياً من الملاعن في الأحكام الآتية‏:‏

أ - الشّهادة‏:‏ ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه لا تقبل شهادة الأصل الواحد من فروعه‏,‏ وبالعكس كذلك لا تقبل شهادة الملاعن وأصوله لمن نفى نسبه باللّعان‏,‏ ولا شهادة من نفى نسبه وأحد فروعه لمن نفاه ولا لأصوله‏,‏ وذلك لصحّة استلحاقه أي الولد الملاعن‏.‏

ب - القصاص‏:‏ فلو قتل الملاعن الولد الّذي نفاه باللّعان لا يقتل فيه كما لو قتل الأب ولده‏.‏ ج - الالتحاق بالغير‏:‏ فلو ادّعى غير الملاعن الولد الّذي نفى نفسه باللّعان لا يصح ادّعاؤُه ولا يثبت نسبه منه‏,‏ وذلك لاحتمال أن يكذّب الملاعن نفسه فيعود نسب الولد له‏,‏ ومن أجل هذا قال الكمال بن الهمام من علماء الحنفيّة‏:‏ إنّ الحكم بعدم ثبوت نسب الولد ممّن ادّعاه مشكل إذا كان ممّن يولد مثله لمثله وكان ادّعاؤُه بعد موت الملاعن لأنّ النّسب ممّا يحتاط في إثباته‏,‏ والولد مقطوع النّسب من غير المدّعي ووقع اليأس من ثبوته من الملاعن‏,‏ وثبوت النّسب من الأمّ لا ينافي ثبوته من المدّعي‏,‏ لإمكان كونه وطأها بشبهة‏.‏

د - المحرميّة‏:‏ فلو كان للملاعن بنت من امرأةٍ أخرى‏,‏ وأراد أن يزوّجها لمن نفى نسبه باللّعان أو لابنه فلا يحل هذا الزّواج‏,‏ لأنّ الولد يجوز أن يكون ابناً للملاعن‏,‏ خصوصاً وأنّ الفراش الّذي يثبت النّسب به كان موجوداً وقت ولادته‏,‏ ومع هذا الاحتمال لا يحل الزّواج شرعاً‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّ المنفيّة باللّعان حكمها أنّها تحرم على نافيها ولو لم يدخل بأمّها‏,‏ لأنّها لا تنتفي عنه قطعاً لدليل لحوقها به لو أكذب نفسه ولأنّها ربيبة في المدخول بها‏,‏ وتتعدّى حرمتها إلى سائر محارمه‏,‏ وفي وجوب القصاص عليه بقتله لها والحدّ بقذفه لها والقطع بسرقة مالها وقبول شهادته لها وجهان‏:‏ أوجههما عدم الوجوب‏.‏

31 - ومن آثار اللّعان أيضاً عند الشّافعيّة‏:‏

أ - تشطير صداق الملاعنة قبل الدخول بها‏.‏

ب - سقوط حضانة المرأة إن لم تلاعن‏.‏

ج - استباحة نكاح أخت الملاعنة ومن يحرم جمعه معها أو أربعٍ سواها في عدّتها‏.‏

تغليظ اللّعان

32 - تغليظ اللّعان سنّة عند الشّافعيّة على المذهب‏,‏ وكذلك عند الحنابلة في المذهب‏,‏ وهو واجب عند المالكيّة وفي قولٍ عند الشّافعيّة‏,‏ واختار القاضي من الحنابلة أنّه لا يسن التّغليظ بالمكان ولا بالزّمان‏.‏

والتّغليظ يكون بأحد أمورٍ هي‏:‏

أ - التّغليظ بالزّمان‏:‏

33 - يغلّظ لعان المسلم بزمان وهو بعد صلاة عصر كلّ يومٍ إن كان طلب اللّعان حثيثاً‏,‏ لأنّ اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبةً لخبر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم‏.‏‏.‏‏.‏» وعدّ منهم‏:‏ «رجلاً حلف يميناً كاذبةً بعد العصر يقتطع بها مال امرئ مسلمٍ»‏.‏ فإن لم يكن طلب حثيث فبعد صلاة عصر يوم جمعةٍ أولى لأنّ ساعة الإجابة فيه‏.‏

وألحق بعضهم بعصر الجمعة الأوقات الشّريفة كشهر رجبٍ ورمضان ويومي العيد وعرفة وعاشوراء‏.‏

ب - التّغليظ بالمكان‏:‏

34 - يغلّظ اللّعان بالمكان‏,‏ بأن يكون في أشرف مواضع بلده‏,‏ لأنّ في ذلك تأثيراً في الزّجر عن اليمين الفاجرة‏.‏

ففي مكّة يكون بين الركن الّذي فيه الحجر الأسود وبين مقام إبراهيم عليه السلام‏.‏

واللّعان في المدينة المنوّرة يكون عند المنبر ممّا يلي القبر الشّريف‏,‏ وقال في الأمّ والمختصر‏:‏ يكون في المنبر‏.‏

واللّعان في بيت المقدس يكون في المسجد عند الصّخرة‏,‏ لأنّها أشرف بقاعه إذ هي قبلة الأنبياء‏,‏ وقد ورد‏:‏ ‏"‏ أنّها من الجنّة ‏"‏‏.‏

والتّغليظ بالمساجد الثّلاثة لمن هو بها‏,‏ فمن لم يكن بها لم يجز نقله إليها بغير اختياره‏.‏ والتّغليظ في غير المساجد الثّلاثة عند منبر الجامع لأنّه المعظّم‏.‏

وتلاعن المرأة الحائض بباب المسجد الجامع لتحريم مكثها فيه‏.‏

ويلاعن كتابي في بيعةٍ وكنيسةٍ ويقول اليهودي‏:‏ أشهد باللّه الّذي أنزل التّوراة على موسى‏,‏ ويقول النّصراني‏:‏ أشهد باللّه الّذي أنزل الإنجيل على عيسى‏.‏

ويلاعن المجوسي في بيت نارهم في الأصحّ لأنّهم يعظّمونه‏,‏ والمقصود الزّجر عن الكذب‏.‏ أمّا تغليظ الكافر بالزّمان فيعتبر بأشرف الأوقات عندهم كما ذكره الماورديّ‏.‏

ج - التّغليظ بحضور جمعٍ‏:‏

35 - يغلّظ اللّعان بحضور جمعٍ من عدولٍ أعيان بلد اللّعان وصلحائه فإنّ ذلك أعظم ولأنّ فيه ردعاً عن الكذب‏,‏ وأقله أربعة لثبوت الزّنا بهم‏,‏ فاستحبّ أن يحضر ذلك العدد إتيانه باللّعان‏,‏ ولا بدّ من حضور الحاكم كما سبق‏.‏

سنن اللّعان

أ - وعظ القاضي المتلاعنين‏:‏

36 - يسن للقاضي أو نائبه وعظ المتلاعنين بالتّخويف من عذاب اللّه تعالى‏,‏ وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لهلال‏:‏ «عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة»‏.‏

ويقرأ عليهما‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً‏}‏‏.‏

ويقول لهما‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين‏:‏ «اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب»‏,‏ وبعد الفراغ من الكلمات الأربع يبالغ القاضي ومن في حكمه في وعظهما عند الخامسة من لعانهما قبل شروعهما فيها‏.‏

ب - قيام المتلاعنين‏:‏

37 - يسن للمتلاعنين أن يتلاعنا قائمين ليراهما النّاس ويشتهر أمرهما‏,‏ فيقوم الرّجل عند لعانه والمرأة جالسةً‏,‏ وتقوم المرأة عند لعانها ويجلس الرّجل‏,‏ وإن كان أحدهما لا يقدر على القيام لاعن قاعداً أو مضّجعاً‏.‏